ولد مار يعقوب في مدينة نصيبين وحرص منذ ميعة صباه على التحلي بالفضائل ثم زهد في الدنيا ناسكا" متعبدا" يقتات بجذور النباتات وأوراقها, يرتدي وشاحا" من جلد الماعز, وعني بأهل البؤس وهداية الوثنيين وخاصة في بعض المناطق النائية من باقردى.
زار القديس جبل الجودي واكتحلت عيناه باكتشاف لوح من ألواح سفينة نوح, فغمرت نفسه فرحة عارمة واعتبرها من نعم الله, وتخليدا" لهذه الذكرى اهتم ببناء دير كبير في لحف الجبل عرف فيما بعد بدير القبوث (أو دير الكنيسة) وقدسه مع جمهور من الرهبان والأساقفة الذين عادوا إلى ديارهم بعد صلاة التدشين, عدا القديس مار يعقوب الذي حفزته غيرته الوقادة للسعي مبشرا" في تلك الأصقاع. يجتث الشوك والخرنوب ويزرع كرمات الخير والبركة, لم تكن البشارة المسيحية قد امتدت إلى تلك المنطقة. فكان هو رسولها الأمين والزارع القدير, كان لا يفتر من التبشير ولا يهدأ من الكرازة, يلقي درره الغوالي على مسامع السكان, يعلّمهم أصول الدين ويدربهم على العادات المسيحية السمحاء, والجميع ينصتون إليه بفرح وانشراح, ويصغون إلى كلماته الطيبة, يبغون أن يطول مكوثه لديهم ليغترفوا من منهله العذب. فكان القديس يتجول من قرية إلى أخرى حاملا" بشرى الخلاص, نور إعلان للأمم, وعندما وصل إلى قرية في لحف الجبل وبالقرب من المكان الذي وجدت فيه آثار السفينة, للحال خرج أبناء هذه القرية يهرعون لاستقباله, ورحبوا به بتجلّة واحترام فدخل القرية. مع ذلك الحشد الكبير من السكان وانتهز القديس هذه الفرصة ليلقي عليهم حكمة الرب التي جاء من أجلها. طالبا" منهم الارتداد عن عاداتهم الوثنية الذميمة للانضمام إلى حظيرة المسيح. وقد لاقت كلماته مكانا" رحبا" في قلوبهم فأحبوه وتعلّقوا به. وطلبوا ألا يفارقهم قبل أن يمنحهم سمة المعمودية المقدسة. فعمّدهم وعندما رأى تعاظم عددهم اهتمّ ببناء كنيسة لهم. فعرضوا عليه بيتا" جميلا" في القرية لأن يكون دارا" لخدمة الرب. ففرح القديس وأقام مذبحا" ومسح جدرانه بالزيت المقدس وأعدّ آنية الخدمة ثم أقام الذبيحة الإلهية وعمّد الكثير منهم حيث احتفى المؤمنون بهذا العرس الروحي ثلاثة أيام بلياليها. كان القديس يسهر معهم معلما" ومرشدا" وموجّها". طالبا" أن يهيئوا أولادهم للتعليم المسيحي, وعند انتهاء رسالته ودّعهم ليتم رسالته التبشيرية في قرى قردو الداخلية.
لقد أثمرت جهود القديس في بلاد قردو, ونمت بذرة الإيمان لتصبح شجرة باسقة متشعبة الأفنان, وزالت العادات الوثنية وولّت هاربة دون عودة. وحلت محلها العادات المسيحية الأصيلة, وازدهرت الكنيسة هناك.
بقي أن نقول أن سجل حياة مار يعقوب النصيبيني كان حافلا" بالمآثر العظام فقد نشر العلم بهمة عالية وأنشأ مدرسة نصيبين الجامعة لتعليم اللاهوت والأدب السرياني و بنى كنيسة جليلة وحضر مجمع نيقية مع تلميذه مار أفرام السرياني سنة 325م , وحضر تكريس بيت القيامة في أورشليم, وفي سنة325م عندما حاصر شابور الثاني ملك الفرس نصيبين لأول مرة. نجت هذه المدينة بحكمة ودعاء هذا القديس الذي غادر الفانية في نفس السنة, ودفن في الكنيسة التي شيّدها في مدينة نصيبين, ورتب عيده في 18أيار من كل عام وأصبح قبره محجّة لكل المؤمنين يتقاطرون إليه لنيل البركة من ثراه الطاهر.
وفي أواخر آب عام 1936م جرت أعجوبة في كنيسة مار يعقوب النصيبيني التي بنيت في مدينة القامشلي المجاورة لنصيبين على اسم هذا القديس حيث بدأ الزيت المقدس ينضح من مذبح الكنيسة وجدرانها الداخلية. وتقرر الاحتفال بعيد مار يعقوب في الأول من أيلول تخليدا" لهذه الذكرى ويكفي مار يعقوب فخرا" أنه كان معلما" ومرشدا" للقديس مار أفرام السرياني.
ونظرا" لدوره البارز في الكنيسة فقد أطلق عليه معاصروه لقب (موسى بلاد مابين النهرين) ومنهم من رأى بأن القديس ينتمي إلى أسرة مار يعقوب أخي الرب.