تحتلُّ الهدايا المقدّسة، الذهبُ واللبانُ والمرّ، التي قدّمها المجوسُ الثلاثةُ منَ المشرقِ للربّ المتأنّس، المرتبةَ الأولى، بينَ الكنوزِ المختلفةِ والجواهرِ الثمينةِ المحفوظةِ بورع ٍ كبيرْ، في ديرِ القدّيسِ بولسْ في الجبلِ المقدّس(آثوس)
والذهبُ محفوظٌ على شكلِ ثماني وعشرينَ سبيكة ً مزخرفةً وبأشكالٍ متنوّعة،
أما المرُّ واللبانُ فقد حُفِظَا بشكلِ أحجامٍ كرويّةِ الشكلْ عددُها سبعينَ كرةٍ بحجمِ حبّةِ الزيتون.
ولكنْ كيفَ وصلتِ الهدايا وحُفِظَتْ إلى يومنا هذا
يكتُبُ الإنجيليُّ لوقا عن العذراءِ مريم أنّها كانت تحفظُ الأشياءَ في قلبها، "أما مريمُ فكانتْ تحفظُ جميعَ هذا الكلامْ متفكرةً به في قلبها"
إذاً لقدْ حَفَظَتْ مريمُ أعمالَ الربِّ المقدّسة هكذا كما حَفَظَتْ كلَّ ما يتعلّقُ بحياتِهِ الأرضيّة. ومنَ الطبيعيّ أنْ تكونَ قدْ حَفَظَتْ الهدايا المقدّسة. ووفقاً لتقليدِنا التاريخي والدينيّ، العذراءُ مريمْ قبلَ رقادِها قد أعطتْ هذهِ الهدايا مع ثيابِها وزنّارِها و المنديلَ المقدّس لكنيسةِ أورشليمْ حيثُ بقيتْ هذهِ الأشياءُ هناكَ حتّى السنة الأربعمئة تقريباً
ثمّ نقلها الإمبراطورْ (أركاديوس) إلى القسطنطينيةْ لتقديسِ الشعب، حيثُ بقيتْ هناكَ حتّى سقوطِها بيدِ الإفرنجْ، وهكذا ولأجلِ الأمانْ نُقلتْ إلى (نيقية) التي صارتْ عاصمةً للدولةِ البيزنطيّة، ثمّ عادتْ الهدايا المقدسة إلى القسطنطينية، وأخيراً نَقلتْ (مارو) التقيّة التي كانتْ مسيحية، وهي أمُّ (محمّدِ الفاتح) التي كانتْ من أصلٍ صربيّ، هذه الهدايا شخصيّاً إلى ديرِ القدّيسِ بولسْ في الجبل المقدّس حيثُ ما زالتْ محفوظةً هناك إلى يومنا هذا
حقيقةُ الهدايا المقدّسةْ ترتكزُ من ناحيةٍ على التقليدِ الشفهيّ، ومن ناحيةٍ أخرى على التاريخ. ولكنّ الأمرَ الثابت َ الذي يثبِّتُ حقيقتَها، هو العطرُ الزكيُّ الرائحة الذي لا يوصف، والذي ينبعثُ منها بلا انقطاع، وتتحدَّدُ أيضاً في بعضِ الأحيان، عبر َالنعمةِ الشفائيّةِ و العجائبيّةِ التي ما تزال تتدفّقُ بسخاءٍ إلى يومنا هذا
تتألّفُ الهدايا من: ذهبٍ ولبانٍ و مرّ. الذهبُ قُدِّمَ للمسيحِ كملكٍ للدهور، واللبانُ كإلهِ الكلّ، و المرُّ كميْتٍ ذي ثلاثةِ أيّام. بهذهِ الطريقةِ اعترفَ المجوسُ الثلاثةُ بالملكِ الإلهِ والإنسانْ.
إنّنا نتهيّأُ لكي نعيّدَ لعيدِ الميلادِ المجيدِ، وفي هذهِ الأيّام "قد كَثُرَ طالبو نفسَ الصبيّ" ففي عصرنا هذا، الناسُ يُنكرونَ المسيحَ كملكْ, و يُجدِّفونَ عليهِ كإلهْ، ويَشتمونَهُ ويُهينوهُ كإنسانْ. إذاً بِكَمْ منَ الورعِ والشوقِ والمحبةِ يجبُ أن نُقدِّمَ بدلَ الذهبِ رغباتنا النقيّة وبدلَ اللبانِ أفكارَنا العَطِرَة الطاهرة، وبدلَ المرِّ المشاعرَ المتجددة
وفي النهاية، إذا كنتَ تَعرِفُ بكلِّ ما سبقَ فأنتَ غنيٌّ ويجبُ أن تكونَ قربَ المسيحِ لكي تُقدِّمَ لهُ الهدايا الثلاثَ من نفسك، وعليكَ أن تقدِّمَ غناكَ وصلاحك
تنبّهِ الآن لما كنتَ تعيشُهُ سابقاً واتّجه نحوَ المسيحِ ناظراً إخوتَكَ الفقراءَ العُراةَ، المرضى و العطاش، وتوسّلْ إلى الربَّ أن يزرعَ في قلبكَ نعمتَه لكي تستطيعَ أن تعطي وتمنحَ رحمةً غنيةً ووافرةً غيرَ مرتبطةٍ بفسادْ، لأنَّ الذي يزرعُ قليلاً، قليلاً يَحصُد، والذي يزرعُ كثيراً فكثيراً سيَحصُد.