في قفط:
إذ أصدر الإمبراطور دقلديانوس أوامره باضطهاد المسيحيين، صار إريانا والي أنصنا يجول في كل صعيد مصر لا عمل له سوى تعذيب المؤمنين. ولما بلغ بالسفينة إلى ساحل مدينة قفط (على النيل) في رياء خرج إليه كهنة الأصنام لمقابلته يفتخرون أمامه قائلين: "عش يا مولانا إلى الأبد، فإنه لا يوجد في مدينتنا من يذكر اسم المسيح"، ففرح أريانا جدًا وأجزل لهم الهدايا، وقدم ذبائح للآلهة وانطلق بسفينته.
سمع بذلك صبي مسيحي اسمه "إمساك" أو "بويمساح"، يسكن في شمال المدينة مع أخته ثيؤدورا "تاوضورا" في بستان يُعرف بحقل النسوة، يعملان معًا فيه ليعيشا على القوت الضروري، ويقدمان ما تبقى للمساكين.
حزن الصبي لما علم بما فعله هؤلاء الكهنة، ولعل حزنه يرجع إلى ما حمله هؤلاء الوثنيون من رياء وكذب لجلب هدايا كثيرة من أريانا، أو لعله شعر أنه بهذا حُرم هو من نوال إكليل الاستشهاد، وربما حسب صمته على ما قاله هؤلاء الكهنة الوثنيون فيه إنكار ضمني لإيمانه ولم يعرف ماذا يفعل، وإنما صلى طالبًا إرشاد الله ومعونته.
في ذات ليلة ظهر له ملاك الرب يسأله أن ينطلق إلى قاو ليجد هناك الوالي ويعترف باسم السيد المسيح، وأخبره مقدمًا بكل ما يحدث له لكي يسنده ويعزيه.
إلى قاو:
في الصباح إذ استيقظ من نومه رفع صلاة حارة لله، وخرج إلى ساحل المدينة وركب السفينة منطلقًا إلى قاو كوصية الملاك، دون أن يخبر أخته بشيء. وهناك وجد أريانا يعذب المسيحيين، فصرخ إنه مسيحي، فأمر الوالي بجلده بقسوة حتى امتلأ جسمه بالجراحات وكان ينزف دمًان فأرسل الله ملاكه وشفاه داخل السجن الذي أُلقي فيه.
في اليوم التالي عاود الجند جلده ثم لفوه في حصير وألقوه في النيل، فأسلم الروح بيد الله ونال إكليل الشهادة في 16 من شهر كيهك (حسب السنكسار القبطي لرينيه باسيه 15 كيهك). أعد الله تمساحًا في النيل جذب الحصير وبه جسد القديس وانطلق به حتى بلغ مدينة قفط فألقاه على الساحل.
ظهر ملاك الرب لأخته في الليل وأعلمها بما ناله أخوها من مجد، وفي الصباح أخبرت الكهنة فانطلقوا ومعهم المؤمنين إلى الساحل وحملوا جسده بإكرام عظيم، ودفنوه في بستانه. وبعد انقضاء فترة الاضطهاد بنى المؤمنون كنيسة باسمه، وقد أظهر الله عجائب كثيرة في الكنيسة بصلواته.
قيل إنه في أيام أنسطاسيوس إمبراطور الشرق أرسل قائدًا إلى ديار مصر ليجمع الخراج، وإذ بلغ إلى مدينة قفط سمع المؤمنون عنه أنه ظالم وعنيف وقاسي القلب، فاجتمعوا في الكنيسة يطلبون رحمة الله بصلوات الشهيد إمساح. وإذ عرف القائد ذلك انطلق إلى الكنيسة ووجد أبوابها مغلقة، فمدّ يده ليشعل النار في الباب، وإذ بيده تيبس، ويُصاب بشلل، فيحمله رجاله إلى السفينة، وفي الطريق مات. ولما سمع أنسطاسيوس بذلك مجد الله وأمر أن يترفق جامعو الخراج بالناس.