تمتاز الصلوات في الكنيسة الأرثوذكسية بانها تتجاوز المفهوم العام للصلاة، وهو التضرع والسؤال. الصلاة في طبيعتها حوار مع الإله الذي نحب ونقيم معه علاقة شخصية في إطار شركة جماعية مع باقي المؤمنين. و " المؤمن المصلي " بحقّ هو ذلك الذي يرتقي في علاقته وحواره مع الله إلى ما بعد السؤال والاستعطاف، فهو يعلم أن الله عالم بما يحتاج في حياته، وعالم أكثر منه بما يوافقه لحياته حتى لو بدا ذلك غريباً أو معاكساً لرغبته الآنيّة. المؤمن المصلي مصطلح أريد إطلاقه على ذلك الشخص الذي يعلم يقيناً أنه ليس بحاجة لأن يستعمل الكلمات حتى يحاور الله، بل يحاوره من القلب إلى القلب، يحاوره في صمت، يدخل به إلى عالم النور الذي لا يغيب ، عالم القداسة والقديسين.
يرتقي المؤمن في حياته الروحية شيئاً فشيئاً، ويبلغ في الطريق نحو الله مرحلةً يخجل فيها أن يسأل لنفسه شيئاً خاصاً، بل تتمحور صلاته وسؤاله حول أخوته الذين حوله، يسأل من أجلهم حتى يفيض الله من نوره عليهم ويرحمهم فيرحمه معهم، وهنا مرحلة توحيد المصير بين المؤمن وبين أخوته. فإذا كنت بلغتَ هذه المرحلة فأنت قد بدأت تخطو أولى خطواتك على الطريق الحقيقي الذي يقودك إلى النور الذي لا يغرب. وفي مرحلة ما سوف تطلب ليس فقط لأجل أخوتك وأصدقائك، وإنما لأجل العالم بأسره ، الذي يحبك والذي لا يحبك، الذي يبغضك والذي يؤذيك، الذي يجحد بإيمانه والذي يجدف على إلهك .. سوف تقف مصلياً لأجل الكل ، وسوف تنسى كل إساءة وكل ضيق وكل اضطهاد. عندها فقط تكون قد وقفت في حضرة الإله، لأنه حينما يشرق عليك بنوره فعلاً لن ترى ظلمة أبداً.